معالم عن العراق

لعة اربيل اثر تاريخي كبير واحد معالم كوردستان العراق -الحضارية-



قلعة اربيل في كوردستان
ربما ابتعدنا بعض الشيء عن اصل الموضوع، فالذي نريد قوله هو ان ارض العراق شهدت اقدم الحضارات، حيث حول العراقي القديم التعامل مع الارض من التعامل البدائي المتمثل بالرعي والصيد الى تعامل اكثر نضجا عندما دجن الحيوانات وزرع الارض واخترع الكتابة ووطد البلدان ثم اخذ يدافع عنها فبنى القلاع والحصون وجهز الجيوش واوجد الانظمة السياسية والادارية التي كانت بمثابة الاسس والركائز التي نشأت عليها حضارات وادي الرافدين العريقة.
وقلعة اربيل هي واحدة من تلك الشواخص التاريخية العظيمة التي يعود تاريخها الى عصر الاشوريين والى حوالي الالف الاول قبل الميلاد على وجه التحديد حيث تعد من ابرز المعالم التاريخية في اربيل بنيت اساسا لاغراض دفاعية حيث كانت تعد حصنا منيعا لمدينة اربيل في تلك الحقبة الزمنية.
وقبل الشروع بالحديث عن القلعة واهميتها التاريخية لابد من التوقف عند المدينة نفسها، فاربيل واحدة من اقدم مدن العراق وقد ورد اسمها بكثرة في الكتابات التاريخية في مختلف العهود ولعلها المدينة الاشورية الوحيدة التي ظلت مستوطنة ومحتفظة باسمها القديم، ويؤكد الاثاريون ان اول ورود لاسم اربيل جاء بكتابات الملك السومري (شولكي نحو 2000 قبل الميلاد)، باسم اوربيلم حيث كانت تقع حينها ضمن امبراطورية اور الثالثة.
وجاء ذكرها ايضا في الكتابات البابلية والاشورية باسم (اوربا-ايلو)، وتعني الالهات الاربعة فضلا عن ذلك، اشتهرت اربيل بكونها مركزا من مراكز عبادة الالهة عشتار المعروف باسم (عشتار اوربلا).
كان لموقع اربيل الذي يتوسط سهل كبير يسمى سهل اربيل اهمية كبيرة في زيادة شأنها واهميتها الاقتصادية والسياسية كونها عاصمة العراق الصيفية، اذ ان هذا السهل يقع على ملتقى العديد من الطرق المهمة التي تربط كوردستان العراق بوسطه وجنوبه وعنها يتم الدخول الى اقليم كوردستان العراق التي تشكل اربيل بموقعها واهميتها السياسية قلبا نابضا بالحياة لذلك الاقليم، ونظرا لهذه الميزة اصبحت اربيل مركزا تجاريا لطريق القوافل عبر قرون طويلة من الزمن. وحافظت على اسمها ووجودها من الاندثار كونها مركزا سكانيا مهما في الوقت الذي اندثرت فيه الكثير من المدن القديمة لافتقارها لما تتحلى به اربيل.
وقلعة اربيل التي تروي تاريخا عريقا وحضارة عظيمة، كانت في باديء الامر وعند انشائها تضم المدينة بالكامل، اذ ان القلاع كانت تقام لغرض ان تكون ملجأ امنا للسكان من الغزوات الخارجية، وعليه فان القلعة كانت تمثل في يوم ما البيئة التي تضم سكان اربيل بالكامل، وبمرور الزمن ونتيجة لزيادة السكان واتساع رقعة المدينة اخذ الناس بعد ان ضاقت بهم القلعة الخروج منها بالتدريج، وبهذا تكون القلعة قد مرت بثلاثة ادوار رئيسة من ناحية وظيفتها المكانية المرتبطة باهمية دورها على مستوى الواقع، الدور الاول هو الدور الذي مثلته الحقب الزمنية الاولى لانشائها عندما كانت تحتضن المدينة بالكامل، والدور الثاني تمثل على الارض نتيجة لخروج قسم من السكان نتيجة لتصاعد نسبة زيادة السكان كما اشرت ولكنه مع ذلك بقيت القلعة تضم العدد الاكبر من السكان، اما الدور الثالث فهو الدور الذي تمثل بخروج القسم الاكبر من السكان من القلعة وذلك بعد مراحل عديدة من التطور وزيادة في نمو السكان وتصاعد ملموس بالنشاطات العامة مما جعل القلعة بيئة ضيقة لايمكنها الايفاء بمستلزمات الحاجات السكانية المتعددة. وبهذا اصبحت القلعة لا تحتوي الا على جزء صغير من السكان وحينها اخذت مدينة اربيل بالتوسع..
وبناء القلعة لم يأت اعتباطا اذ ان له العديد من الاسباب والدوافع كان اهمها ما اشار اليه الباحثون والكتاب الذين تناولوا في بحوثهم التطرق الى تاريخ القلعة واهميتها بالقول: انه لولا القلعة لتعرضت المدينة الى تحولات ليس في بنائها الداخلي فقط بل حتى في موقعها اذ اعتبروا القلعة اهم عامل جغرافي ساعد على بقاء المدينة وذلك لعدم وقوع اربيل على نهر يساعد على استمرارها ونموها ولا يحيط بها عائق كالجبل مثلا كون المدينة والقلعة معا واقعة ان وسط سهل كبير مترامي الاطراف، ولذلك ساعدت القلعة كثيرا على استمرار بقاء مدينة اربيل كما هي في بقعتها ومسكانها الذي نشأت عليه منذ الاف السنين فعلاقة القلعة بالمدينة بناء على ما تقدم كانت علاقة قوية من حيث استيعابها للسكان ولنشاطاتهم الوظيفية، ثم بعد ذلك وبعد انتهاء دورها المكاني ظلت القلعة تمثل رمزا اثريا وتاريخيا رائعا تفتخر به اربيل وتعده واحدا من معالمها الحضارية الرائعة.
يتحدث ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان)، عن اربيل وقلعتها فيقول: ان اربيل هي قلعة ومدينة كبيرة في فضاء واسع من الارض. وانها اشبه ما تكون بقلعة مدينة حلب في الشام الا انها أي قلعة اربيل اكبر منها واوسع رقعة، ثم يقول: والقلعة محاطة بخندق عميق وهي اهلة بالسكان وفيها جامع كبير للصلاة وكذلك مدرسة بناها الامير (سرفنكس الزيني)، وسميت بمدرسة القلعة، وقد اصبحت القلعة مقرا للامير الاتابكي سنة 539ه.
وفي العهد الاسلامي بقيت قلعة تحطيها الاسوار كونها مركزا مهما للسكان وفيها الابراج ومكامن الدفاع، لذلك لم يظفر بها المغول عند دخولهم ارض العراق في هجماتهم الوحشية المتكررة عليها، ثم بقيت في المراحل اللاحقة حصنا قويا حتى احتلال نادر شاه لها سنة (1732م)، حيث حاصرها لمدة ستين يوما قبل ان يدخلها.
يبلغ ارتفاع القلعة 415م عن مستوى سطح البحر وعن سطح المدينة يبلغ ارتفاعها حوالي 26م اما مساحتها فتبلغ 102.190 م2.
وفضلا عن القلعة فان اربيل تضم معالم اثرية رائعة اخرى منها المنارة المظفرية او المئذنة المظفرية وهي اثر بازر ورائع يعود تاريخه الى عهد مظفر الدين كوكيري الذي حكم اربيل في القرن السابع الهجري وكانت هذه المنارة تعلو جامعا يقع على الجهة الغربية من القلعة.
يصف الاستاذ المرحوم عبدالرزاق الحسني مدينة اربيل وقلعتها اثناء الحكم الملكي فيقول: تنقسم اربل الى قسمين مهمين، احدهما القلعة وهو ما كان مبنيا على التل الاصطناعي الذي يشغل مساحة قدرها 60.000 متر مربع تقريبا ويبلغ ارتفاعه زهاء 35 مترا والثاني السهل وهو المباني تحتها في بطن السهل، على نمط مدينة كركوك، ولا يمكن الصعود الى القلعة الا من مرتقيين قديمين ومن مرتقى ثالث فتح قبل عشرين سنة. وفي نهاية احد المرتفقيين المذكورين برج عظيم يدل منظره على انه كان حصنا منيعا للقلعة. وفي قلعة اربيل بيوت الاشراف ومضايف الاغوات ومساكن الموظفين ومعظم دور الاهلين وثلاث محال كبرى هي الطوبخانة والتكية والسراي، وفيها ايضا جامع كبير ومساجد وتكايا..
اما في السهل فتقع اسواق البلدة والحمامات والقيصاريات والحوانيت والمدارس والمنتزهات والفنادق وبقية الدوائر الحكومية بمختلف انواعها يواصل المرحوم الحسني كلامه عن اربيل فيقول او على مسافة عشرين كيلو مترا من الغرب الجنوبي لمدينة اربل تشاهد قرية تدعى (سعداوه)، فيها تلول مرتفعة وانهار مندرسة، حيث كانت البعثة الاثرية الايطالية قد نقبت فيها سنة 1933م واجرت حفريات كشفت عن اثار آشورية جليلة وهياكل واجسام مختلفة وحلي وزخارف منوعة انتهت نتائجها الى كون التل الذي يجاور قرية (سعداوه) كان في ماضيه بلدة آشورية تسمى (كالزو).
ثم يتحدث عن علماء اربيل قائلا: وينسب الى آربل جماعة من اهل الفضل والورع من العلماء والمؤرخين. كأبن المستوفي وهو شرف الدين، ابي الفتح الاربلي، صاحب كتاب تاريخ آربل، وعلي بن عيش الاربلي، وابي احمد القاسم بن المظفر الشهرزروي، وابن خلكان صاحب كتاب (وفيات الاعيان) و(اخبار ابناء الزمان) وهو واحد من مصادر التاريخ الاسلامي المهمة وغيرهم من العلماء..
ومن خلال هذه النبذة التاريخية عن قلعة اربيل يتبين لنا بان هذه القلعة كانت تشكل اثرا مهما وخالدا من اثار الامبراطورية الاشورية في اخر عصورها ومركزا مهما عقائديا وروحيا لوجود المعابد فيها، اما في الاسلام فقد اصبحت فضلا عن دورها العسكري مكانا لسكن اشراف الارب